دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- في حين تُعرف العاصمة الإماراتية أبوظبي من خلال أفقها الذي يجسد مفاهيم الحداثة والعمارة المستقبلية، لا يزال بإمكان الزوار اختبار بعض من العادات والتقاليد القديمة للإمارة.
واحدة من التقاليد الإماراتية الكلاسيكية هي العزبة، التي لعبت دورًا مهمًا في حياة القبائل البدوية الرحّل في أبوظبي.
والعزبة، والتي تختلف عن المزرعة، هي مكان تقوم فيه العائلات بتربية المواشي، مثل الأغنام، والماعز، إلى جانب حيوانات الصحراء المحلية مثل الإبل، وصقل هذه المهارات وتمريرها إلى الأجيال الشابة.
وفي حين طُمست ببطء الحاجة إلى العزبة خلال الأعوام الماضية، حيث يقيم العديد من الإماراتيين في منازلهم بالمدن، سعت حكومة الدولة خلال السنوات الخمس إلى العشر الماضية الحفاظ على ما تبقى من الأزمنة الماضية.
والآن أصبحت العزبة بمثابة وسيلة أصيلة تُظهر للوافدين والسياح سبل العيش في الماضي، وروح تقاليد الشعب الإماراتي، قبل اكتشاف النفط.
ويشرح عبد العزيز مانع، شاب إمارتي يقدم لزوار أبوظبي لمحة أصيلة عن الثقافة المحلية في عزبته الخاصة، أنّه "في الوقت الحاضر، مع كل هذه الحداثة من حولنا، حرصت حكومة الإمارات العربية المتحدة على عدم ترك هذا التقليد يحتضر".
وبعمر 30 عامًا، يقود مانع حركة جديدة من الشباب الإماراتي الذين يرغبون بتقدير أساليبهم التقليدية.
ويقول: "إنّها طريقة للتواصل مع التاريخ والثقافة، لذا فإن العزبة تخدم هذا الارتباط".
القصص والرمزية
وعبر الإعلان على منصة "Airbnb"، يجلب مانع السياح والمغتربين في رحلات يومية إلى عزبة عائلته، وسط الكثبان الرملية بمنطقة الوثبة، التي تبعد نحو ساعة بالسيارة عن وسط مدينة أبوظبي.
يصلون في سيارته الإماراتية رباعية الدفع، المثالية للمسار، والتي تتدحرج صعودًا وهبوطًا على الكثبان الرملية، ما يمنح ضيوف مانع لمحةً عن المشقة التي يستغرقها الوصول إلى مثل هذه البقعة البعيدة، التي كان يمكن الوصول إليها سابقًا على ظهر الإبل أو الخيل.
عادةً ما ينضم الضيوف، الذين يأتون لقضاء اليوم، إلى مانع، في نزهة عبر الرمال وقت غروب الشمس، ويستمعون إلى قصصٍ تشكل تاريخًا شفهيًا مشابهًا للطريقة التي نقلت بها الحكايات من جيل إلى جيل، عبر أسلافه.
يتعلم الضيوف كذلك رمزية المجلس، إضافة إلى الأطعمة والمشروبات مثل التمر والقهوة، المرادفة للعزبة والضيافة الإماراتية.
ويمكن للضيوف أيضًا تجربة حلب الإبل وركوبها والتفاعل معها، والتعرّف على ما يلزم لرعاية الإبل العربي، الذي كان ذات يوم، وسيلة النقل الوحيدة للبدو، عبر التضاريس الصحراوية القاسية.
ويوضح مانع أنه قبل اكتشاف النفط في الإمارات العربية المتحدة، كانت ثروة العائلات تُحدّد بأعداد المواشي التي تملكها، ويقول على سبيل المثال إن "شخصًا يملك 40 ناقة يعتبر من الطبقة المتوسطة، بينما يعتبر آخر ثريًا إذا كان يملك 200 إلى 300 ناقة".
ويضيف: "الثروة كانت تُقاس بعدد الحيوانات، وليس بالعملة".
ويمكن للزوار التعرّف على قصص الحياة الإماراتية من الملابس التقليدية، التي يمكنهم تجربتها، إلى التحيّات المعتادة
ثم هناك روايات عن البقاء على القيد الحياة في الصحراء، ورحلة البدو الذين أصبحوا من أكثر سكان المنطقة تقدمًا وازدهارًا.
المشي حفاة على الرمال
قد يقدّر زوار العزبة الجمال الطبيعي المحيط، أو التفاعل مع الحيوانات، أو فرصة تعلم مهارات مثل إشعال نار المخيم.
وبالنسبة للكثيرين، إنها فرصة نادرة للنظر داخل عالم إماراتي غامض في بعض الأحيان.
وثمة تناقض صارخ بين صمت الصحراء وسط الاسطبلات وحفرة النار، مع صخب حياة مدينة أبوظبي المزدحمة.
ويقول مانع: "الجميع يتوق إلى هذا، ويمكننا أن نرى التأثير القوي لذلك ليس فقط على الزوار القادمين لخوض هذه التجربة، بل على العائلات الإماراتية أيضًا".
ويتابع: "الأطفال لا يركّزون على هواتفهم، والناس يتواصلون بصدق ويقضون وقتًا ممتعًا معًا، ومع ازدياد عدد الأشخاص الذين يمتلكون العِزب، زاد هذا النوع من التفاعل الاجتماعي".
والاعتزاز بهذا الترويج لا يقتصر على السياح فقط، إذ تعتبره العائلات الإماراتية وسيلة للبقاء على اتصال بهويتهم.
ويضيف مانع: "رغم كل عوامل الجذب المدهشة التي نمتلكها، فإن أكثر التجارب التي تحظى بشعبية كبيرة بالنسبة للعائلات الإماراتية الآن هي القدوم إلى العزبة، حتى خلال المناسبات الخاصة، كما أنّ السير بأقدام حافية على الرمال يمنح شعورًا سحريًّّا".
داخل اللغز
جاء افتتاح هذه العزب الخاصة في أعقاب الاستثمار الحكومي في البنية التحتية، ما أدّى إلى جلب الكهرباء والمياه إلى أماكن كانت معزولة ذات يوم.
وبالنسبة إلى مانع، فإنّه يشعر وكأن تقديم هذه التجربة للآخرين يعد واجبًا واطنيًا نوعًا ما.
ويقول، وهو أيضًا مرشد سياحي مدرب رسميًا ويتواصل مع الزوار عبر منصة "Airbnb": "بالنسبة لي، كوني إماراتيًّا يأتي بعبء مشاركة قصة أصيلة".
ويوضح أنّ "هناك التحدي المتمثل بوجود نقص في تفاعل الإماراتيين مع السياح بقطاع السياحة، ولا يمكن لأحد أن يروي قصتنا أفضل منا".
ويضيف: "العزبة هي التجربة التقليدية الوحيدة المتبقية تقريبًا".
ويشارك العديد من أفراد عائلة مانع الآن في التجربة، ما يسمح للزوار والمغتربين والسيّاح بالتفاعل مع الأشخاص الذين غالبًا ما يظلون لغزًا حتى بالنسبة لأولئك الذين يعيشون داخل الإمارات العربية المتحدة، حيث يمثل الإماراتيون نسبة 10 إلى 15% فقط من السكان.
ويبتسم قائلاً: "أبناء وبنات إخوتي، وإخوتي، وكبار العائلة، يشاركونني هذه التجربة الآن".
ويتابع: "أحاول غرس هذا في أفراد العائلة الأصغر سنًا لإظهار أن هناك دومًا جسور يجب بناؤها مع الأشخاص الآتين من جميع أنحاء العالم، ما يُظهر لهم كرم الضيافة والثقافة الإماراتية".
ويضيف: "كانت منازلنا دومًا مفتوحة للجميع، لذلك تغيرت الأمور الآن مع نمط الحياة الحديث، لكن لا يزال بإمكاننا إرسال رسالة مفادها أننا لم نغلق أبوابنا أبدًا. وبغض النظر عن مدى لقائك بأصدقائك الدوليين في المقاهي ومراكز التسوق، فإن لقاءك بهم في العزبة سيكون له أبعد الأثر".
Comments
Post a Comment