بعلمهم ورسالتهم ورحمتهم، تسلّح أطباء لبنانكالجنود، متأهبين لمعركة إنسانية، استمرت لمدى أكثر من 72 ساعة متواصلة.. معركة، لم يفكر فيها أطباء لبنان ولو لثانية واحدة بما يحصل.. فكرهم توجّه فقط نحو مقاتلة الوقت وصراخ الجرحى، الذين انفجرت بهم آلات غدر، زرعها عدوّ جبان. فحينما اهتزّت أرض لبنان بانفجاراتٍ هزّت الوجدان قبل الجدران، انتفضت هذه الأيادي البيضاء كأنها جيوش ملائكية، تقاتل في معركةٍ لا مكان فيها للتراجع. كان المشهد أكثر من مجرد إسعافٍ أو عمليات طبية، كان ملحمةً إنسانيةً نُسجت من تفاني أطباء وممرضين، وقفوا غير مكترثين بمرور الساعات أو بثقل الجراح التي ترقد على أسرتهم. تحوّلت غرف العمليات إلى ساحاتٍ للصمود، حيث النزف لا يُقابل بالاستسلام، بل بإصرار على إنقاذ كل نبضٍ، وكل نفسٍ. كانوا لا يملكون إلا مهاراتهم وقلوبهم النابضة بالحياة، فبذلوا كل قطرة جهد لتظلّ الحياة متدفقة، ولم يتوقفوا، لم يرمشوا، حتى عندما تكسرت عقارب الوقت أمام هول الفاجعة.
ما شهدته المستشفيات توصّفه المصادر الطبية بالـ"الملحمة"، أو بمشاهد هوليوودية حقيقية، نشهد فعالياتها بأمّ العين.. إرهاق، تعب، تفكير متواصل، والأهم قلوب قوية صمدت، وتخطت الفاجعة.. من يكتب أو يقرأ ما حصل مع الأطباء، ليس كمن عايش هذه اللحظة.. ماذا تتوقع من طبيبٍ يرى أمامه وجوها شُوّهت بيد الإجرام؟ ماذا تتوقع من طبيبٍ رأى أعينا أيقن أنّها لن ترى مجددًا نور الشمس؟ ماذا تتوقع من طبيبٍ حملَ اصابع بُترت بفعل إجرامي ارتقى لمستوى الجريمة الجماعية.. وأخيرا، ماذا تتوقع من طبيبٍ رأى أمامه قريبه يتألم، يصرخ، يسأل عن سبب اختفاء النور من أمامه، ويتساءل عن سبب عدم قدرته على الإحساس بشيء؟
أسئلة كثيرة تسأل، وقصص كثيرة ستروى عن هذين اليومين المأسويين فيما بعد، ولكن لا بدّ هنا أن نسلّط الضوء على المستشفيات التي تحوّلت إلى مسرح لمعارك إنسانية، جاهد خلالها الأطباء بأقصى ما لديهم.
فعلى الرغم من الحدث المفاجئ، الذي استدعى إدخال ما يزيد عن 3000 جريح إلى المستشفيات حالات أكثر من 90% منهم كانت تستدعي التدخل العاجل، أكّدت كافة المصادر الطبية العمل الدؤوب والتنسيق الاكثر من ممتاز الذي حصل، سواء على صعيد المستشفيات بين بعضها البعض، أو بين المستشفيات والجهات الرسمية المعنية.
هذا العمل المتميز بين كافة الجهات والاقسام تُرجم بعدد كبير من العمليات تم إتمامها خلال 24 ساعة، حيث وصل الاطباء ليلهم بنهارهم، وأصروا على عدم مغادرة المستشفيات، في محاولة لإنقاذ أكبر عدد ممكن من المرضى.. فكيف استطاعت المستشفات استقبال هذا العدد الهائل من الجرحى؟
هارون: المستشفيات مستعدة دائما
في مستهل كلامه، كان نقيب المستشفيات الخاصة في لبنان سليمان هارون مصرًا على إبراز العمل التنظيمي المتميز الذي قامت به المستشفيات في لبنان، إن كان على صعيد استقبال الجرحى، بالاضافة إلى تنظيم مواعيد العمليات الطارئة والمستعجلة، وصولا إلى توزيع الجرحى على عشرات المستشفيات نسبة إلى حالتهم.
وأشار هارون خلال اتصال مع "لبنان24" إلى أن المستشفيات أصلا كانت قد تجهّزت منذ فترة طويلة لأي حدث كبير، كما تم وضع خطة طوارئ مسبقة بالتنسيق مع وزارة الصحة، إلا أن المستشفيات لم تكن متوقعة أن تستقبل أكثر من 2700 جريح في مدة قليلة.
ولفت هارون إلى أن أنواع الاصابات التي وصلت إلى المستشفيات متعددة، من إصابة بالعينين، والبطن والأعظام والأيدي والورك والارجل، مشيرًا إلى أن الجرحى كانوا يحتاجون إلى أكثر من عملية جراحية بإشراف أكثر من طبيب مختص، هذا عدا عن الحاجة إلى الدخول إلى العناية الفائقة.
وعلى الرغم من هذا الضغط الكبير، أكّد هارون أن بفضل الجهوزية الكاملة تمكنت المستشفيات من استيعاب كافة الجرحى الذين وصلوا، وإلى حدّ الآن، لا يزال هناك جرحى يتلقون علاجهم في المستشفيات، والبعض الآخر سيخضع لعمليات جراحية، حسب حالته الصحية. إلا أنّ الاهم أن العملية كانت منظمة، وتمت على مستوى عال من المهنية.
ولا يخفي هارون لـ"لبنان24" حجم الاعباء المالية الكبيرة التي تكبّدتها المستشفيات، إذ أشار إلى أنّه "لم نستطع بعد أن نقوم بعملية مسح لحجم الكلفة التي تم إنفاقها، إلا أنّ الاكيد انها وصلت إلى ملايين الدولارات لأنّ الحالات كانت صعبة ومكلفة جدًا"، مشيرًا إلى أنّ "الهدف الاول والأسمى كان معالجة الجرحى، ومن ثم سننتقل للبحث بكيفية إعادة تزويد المستشفيات بالأموال والمعدات الممكنة المنتجة".
ماذا عن أطباء الإختصاص؟
من المعروف أن لبنان شهد موجة نزوج كبيرة للأطباء، الذين حصلوا على عقود مغرية في الخارج، خاصة في الدول الخليجية، فهل أثّر هذا الأمر على عملية تنفيذ العمليات؟
يؤكّد هارون ان العمليات تم تنفيذها بشكل سريع بالتنسيق بين كافة الاطباء، إلا أنّه يلفت إلى أنّ المشكلة الاساس تتلخص بالجرحى الذين كانوا يحتاجون إلى أكثر من عملية بأكثر من اختصاص، خاصةً على صعيد العيون، إذ لا تتضمن كل المستشفيات مراكز للعينين، وبالتالي بات الجريح مضطرًا إلى أن يذهب للمستشفى للقيام بالعملية التي من شأنها ان تنقذ حياته في الدرجة الاولى، ومن ثم يتم إرساله إلى مستشفى أو مركز مختص بالعيون للقيام بالعملية اللازمة للإصابة.
غاريوس: ما قام به الاطباء مشرّف
مشهدية التنظيم التي ساهمت في إسعاف اكبر عدد ممكن من الجرحى اكّد عليها رئيس مجلس إدارة مستشفى جبل لبنان الجامعي الدكتور نزيه غاريوس، الذي لفت إلى أن عملية التنظيم كانت أكثر من جيدة، خاصة بين وزارة الصحةوالمستشفيات.
ويلفت غاريوس خلال اتصال عبر "لبنان24" إلى أن المستشفيات استقبلت كافة الجرحى، واستمرت عملية علاجهم على مدار الساعة من دون اي توقف. ومن أصل 150 جريحا دخل إلى مستشفى جبل لبنان الجامعي، لا يزال هناك قرابة 40 جريحا، لافتًا إلى أن الـ150 حالة خضعت لأكثر من 100 عملية، إذ كان هناك أكثر من حالة استدعت الخضوع لأكثر من عملية.
وأثنى غاريوس على عمل الأطباء والممرضين، الذين عملوا من دون ان يسألوا عن أي شيء، إذ كان هدفهم فقط إنقاذ حياة الجرحى، وإحداث أقصى تغيير ممكن بحالة المرضى، لناحية تقليل آثار انفجار الأجهزة اللاسلكية، لافتًا إلى أن خلال العمل المتواصل، هناك أطباء أجروا أكثر من 40 عملية.
واكّد غاريوس انّه وللأسف إصابات العيون كانت من أكثر الحالات التي تم استقبالها، بالاضافة إلى إصابة مزدوجة في العينين واليدين.
كيف استعدت المستشفيات؟
في سياق حديثه، وانطلاقا من العمل التنظيمي الناجح، لفت غاريوس إلى أن المستشفيات وتحت إشراف وزارة الصحة كانت قد قامت بجولات تدريبية ومناورات خاصة داخلها، تحاكي عملية استقبال عشرات الإصابات لحظة واحدة، إذ أشار إلى أن هذا الامر تم تنفيذه لحظة وقوع الكارثة بمستوى مميز من المهنية
Comments
Post a Comment