في أول ساعات الحرب التي شنتها حركة "حماس" على إسرائيل، أدخل جناحها العسكري "كتائب القسام" الطائرات المسيرة في الخدمة القتالية، واستخدم أنواعاً مختلفة من الـ"درون" التي استطاعت تنفيذ مهام داخل مدن الغلاف القريبة من قطاع غزة.
وبشكل علني أفصحت "حماس" عن اعتمادها على الطائرات المسيرة كأداة قتالية فعالة في حربها المباغتة ضد إسرائيل، وبثت مقطعين مصورين يؤكدان ذلك، الأول تضمن مشاهد لإطلاق عدد من الـ"درون" الذي يأخذ طابعاً انتحارياً، فيما وثق الثاني لقطات للحظة إسقاط قنبلة من قطعة جوية على مجموعة من الجنود تسببت في إصابة أحدهم بشكل مباشر.
سلاح مركزي
وأقرت إسرائيل استخدام "حماس" للمسيرات في حربها التي بدأتها على الحدود، ويقول المتحدث باسم الجيش دانيال هاجري، إنه "منذ اللحظات الأولى لليوم الأسود، رصدنا استخدام الفصائل سلاحاً جوياً، وجرى تفعيل منظومة الدفاع الجوي (القبة الحديدية) للاستشعار به، وبالفعل تم تفعيل صفارات الإنذار الإسرائيلية للاشتباه بتسلل طائرات مسيرة من قطاع غزة".
ويضيف "من غير الواضح مدى اعتماد (حماس) على الطائرات المسيرة حالياً، لكن يبدو أنها أحد أدواتها القتالية، ونحاول التعامل مع هذه القطع الجوية وتحييدها لعدم تهديد أمن سكان الغلاف".
ويبدو أن "حماس" في معركتها "طوفان الأقصى" باتت تعتمد على سلاح الطيران بشكل كبير، إذ يقول الباحث في العلوم العسكرية اللواء متقاعد يوسف الشرقاوي، "استخدمت (كتائب القسام) ببراعة أنواعاً جديدة من الـ(درون) القتالي، وذهل المراقبون العسكريون في فلسطين وإسرائيل على حد سواء من الاستخدام الدقيق وتوجيه ضربات بواسطة القطع الجوية، وهو ما لم يكن موجوداً في السابق".
مسيرات وتضليل
ويضيف "ينظر المراقبون العسكريون لدى الأطراف الإقليمية إلى حوامات (حماس) على أنها سلاح مركزي كما القذائف الصاروخية، وربما جاء ذلك في إطار مراقبة ما يحدث على الأرض، التي نستنج منها أن المقاتلين استخلصوا بعض العبر وعملوا على تطوير هذا السلاح، وربما كان ذلك هدفاً عسكرياً للحركة في هذا القتال الذي حمل مفاجآت هائلة".
ويوضح الشرقاوي أن "حماس" استخدمت أساليب متطورة في تضليل إسرائيل لإتاحة الفرصة لإطلاق عدد من الطائرات المسيرة، إذ بحسب قواعد الاشتباك بين الفصائل الفلسطينية والجيش، فإن منظومة الدفاع الجوي (القبة الحديدية) تستطيع اكتشاف أي مجسم يطير في سماء غزة حتى ارتفاع 25 ألف قدم.
ويشير إلى أن "حماس" طورت قدرات الإقلاع لـ"الدرون"، ويبدو أنها حلقت على مسافة تزيد على 25 ألف قدم حتى لا تستطيع أجهزة استشعار "القبة الحديدية" اكتشافها، أو ربما أنها ضللت منظومة الدفاع عن طريق إطلاق عدد كبير من القذائف الصاروخية مما تسبب في إرباكها، أو أنها تمكنت من اختراق رادارات الاستشعار.
استخباراتية وهجومية
وبواسطة الطائرات المسيرة، أغارت "كتائب القسام" على أهداف إسرائيلية عدة، وفي العلوم العسكرية، فإن تنفيذ ضربات من الطائرات يحتاج إلى معلومات استخباراتية مسبقة، وبحسب الشرقاوي، فإن "حماس" أثبتت أنها تملك بنك أهداف عسكرياً جرى تجميعه بواسطة حوامات استطلاع مخصصة لهذا الغرض.
وفي إسرائيل يقر الجيش بأنه تعرض لضربات جوية من "حماس". ويقول قائد "بلماحيم" الجنرال عمري دور، "يبدو أن هناك طائرات مسيرة استطلاعية وهجومية في القتال تنطلق من غزة، ولديها معلومات استخباراتية وأهداف، والظاهر أنها أجرت مسحاً خلال القتال وليس قبله".
في الواقع، لا يعد امتلاك "حماس" للمسيرات بالأمر الجديد، بل يعود برنامج الطائرات من دون طيار التابع للحركة إلى عام 2012، وجرى تطويره على يد المهندس التونسي الراحل محمد الزواري، الذي دخل غزة لتعليم وتدريب مقاتلي الفصيل المسلح على آليات صناعة الـ"درون". وفي عام 2014 أدخلت "حماس" لأول مرة الطائرات المسيرة في الخدمة العسكرية ضد إسرائيل، واعترف الجيش حينها بذلك.
وتمتلك "حماس" ثلاثة أنواع من المسيرات، الأول تطلق عليه "أبابيل"، والثاني "شهاب، والثالث لم تكشف عنه بعد، لكن المراقبين العسكريين لاحظوا استخدامه في هجوم الفصيل المباغت على إسرائيل، ومن كل نوع، لدى "حماس" ثلاثة نماذج متنوعة، وهي "درون" ذو مهام استطلاعية، ومسيرة تستطيع إلقاء قنابل، وحوامة انتحارية.
وتعد الطائرة "شهاب" أشهر مسيرات "حماس"، وهي تحمل رأساً حربياً قد يصل وزنه إلى 30 كيلو غراماً، وتطير بسرعة 250 كيلو متراً في الساعة، ومزودة ببرمجيات تحديد الموقع الجغرافي GPS، ويتم التحكم بها باستخدام مشغل أرضي وكاميرا، في حين يجري إطلاقها من سكة حديدية.
ستحمل مفاجآت
يقول محلل الشؤون العسكرية الإسرائيلي أليكس فيشمان، إن حركة "حماس" تستخلص العبر وتستمر في تطوير سلاح الحوامات، ولوحظ هذا التطور الجديد، إذ رأينا نسخة من الـ"درون" مسلحة بصواريخ تستخدم من قبل جيوش.
ويضيف "(حماس) صنعت طائرات مسيرة لجمع المعلومات الاستخباراتية عن تحركات قوات الجيش، ولتوجيه نيران قاذفات (الهاون) وفق أهداف واضحة، وبغرض ضرب منظومة (القبة الحديدية)، واختراق المركبات المصفحة".
ويؤكد فيشمان أن الـ"درون" الذي قد يستخدم كطائرات انتحارية، تحول إلى سلاح رئيس لدى "حماس" كما الجيش الإسرائيلي، وفي المقابل لم نرصد أي خطوات فعلية من المنظومة الأمنية لابتكار طرق لمواجهة هذا التحدي.
ومن حركة "حماس"، يقول القيادي في الحركة مشير المصري، إن الطائرات المسيرة شكلت مفاجآت لإسرائيل، وسيكون لها دور قوي في المرحلة المقبلة، واليوم يعمل مهندسو "القسام" ليل نهار من أجل مواصلة تطوير هذا السلاح لمواجهة الجيش، مؤكداً أن فصيله صنع الطائرات المسيرة وواكب تطورها على رغم الحصار المفروض على غزة.
Comments
Post a Comment