حملت زيارة المبعوث الأميركي لشؤون الطاقة عاموس هوكشتين لبيروت أول من أمس، الكثير من التأويلات والتناقضات ما بين العروض المُسرّبة، والوقائع غير المتناسبة معها. بينما لم يتبيّن بعد ما يضمره «مهندس» اتّفاق الترسيم البحري، وإن كانَ طرحه جدّياً أو تعبيراً عن سياسة التضليل التي تمارسها الولايات المتحدة تجاه المنطقة.وإلى جانب «انتقادات تطاول شخص الرجل» فمن الواضح أنه لم يأتِ إلى لبنان من تلقاء نفسه حاملاً مشروعاً مستقلاً، بل مدفوعاً بتوجّه الإدارة الأميركية التي تنظر إلى كلام العدو عن الانتقال إلى المرحلة الثالثة من الحرب على غزة، كفرصة للملمة الوضع على الجبهة اللبنانية، بما يوفّر لإسرائيل حلاً لمشكلة المستوطنين النازحين عن الشمال. وبنى هوكشتين طرحه على أن «العمليات المحدّدة والمحصورة»، أي المرحلة الثالثة من الحرب على غزة، ستكون أفضل «طُعم» يلقيه للبنان ليحقّق به ما أسماه «الحل المؤقت»، والذي يعني أن «المرحلة الثالثة في الحرب على غزة، يجب أن تُواكَب بوقف للعمليات من جانبي الحدود اللبنانية والفلسطينية المحتلة، باعتبار أن الحرب الكثيفة وذات الزخم العالي قد انتهت، وما يحصل ليس سوى مناوشات، وعلى حزب الله وإسرائيل وضع السلاح جانباً، وفتح مسار تفاوضي ترعاه واشنطن».
وبدا طرح هوكشتين، كمن يطلب التنازلات من لبنان، فهو طلب وقفاً لإطلاق النار عند الحدود، قبل وقف إطلاق النار في غزة، ما يعني فصل المسارات، مع ما يعنيه ذلك من استهداف مباشر لتفاعل ساحات المقاومة مع بعضها. كما أن هوكشتين، يتأمّل في إجراء تغيير لـ«الواقع» في جنوب لبنان، شبيه بتغيير الواقع في غزة، لكن من دون أن يتغير الواقع الإسرائيلي. ما يقود عملياً، إلى كون الطرح الأميركي يقصد انقلاباً لإطاحة ما تحققه المقاومة في دعم غزة.
وعلى عكس زيارته الأولى لبيروت بعد معركة «طوفان الأقصى»، لم يتحدّث هوكشتين بتفاصيل إبعاد «حزب الله» عن جنوب الليطاني ولا عن القرار الدولي الـ1701، بل إن افتتاحية كلامه، كانت تنطلق دائماً من ضرورة إيجاد «ضمانات لعودة المستوطنين الإسرائيليين».
وعند إثارة هذه الفكرة من قبل مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، ردّ عليه الأخير بسؤال: كم عدد المستوطنين النازحين؟ فأجابه هوكشتين بالقول «حوالي 80 ألفاً»، فردّ بري بأن«هناك العدد نفسه من أهالي قرى الجنوب الذين نزحوا منذ بدء الحرب وأولويتنا هي إعادتهم»، أيضاً. وتابع بري أن «الحل يكون بتطبيق الـ 1701 بكل مندرجاته، لا بتطبيق تدريجيّ، وإنما حلّ متكامل لا يُمكن أن تكون مزارع شبعا خارجه».
وقالت مصادر مطّلعة إن أهمّ نقطة في اللقاء الذي استمرّ حوالي ساعة وربع ساعة كانت أن «النقاش لم يُغلق»، علماً أن بري ربطَ الخواتيم بالتوقيت الفلسطيني. وذلك ربطاً بما قاله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وأبلغه الحزب لجميع الأطراف في أكثر من مناسبة، أن التفاوض حول الـ 1701 بقواعد «التحرير الكامل»، أو أي قواعد أخرى، لا يُمكن أن يحصل إلا بعد انتهاء العدوان على غزة.
وبحسب مطّلعين على المحادثات الأميركية، فإن «المشكلة ليست في التوقيت الذي أتى هوكشتين به»، ولا في محاولته «استدراج لبنان إلى فخّ وقف إطلاق نار مؤقت»، فحسب، إنما في ما نُقِل إلى جهات لبنانية عن محادثات جرت بين الجانب الأميركي وعواصم عربية حيث ظهر أن «واشنطن لا تريد حلاً سياسياً يشمل الفلسطينيين على الإطلاق، وأن كل كلمة قالها وزير الخارجية أنتوني بلينكن في اجتماعاته مع نظرائه العرب، تناولت خطة لتهجير الفلسطينيين إلى بعض الدول التي بدأت فعلاً تحضّر نفسها للمهمّة». وقال المطّلعون إن بلينكن أكّد أن «الإجراءات بدأت فعلاً، وأن على الدول العربية أن تتعاون في هذا الإطار». وتعليقاً على ذلك، اعتبرت مصادر سياسية لبنانية بارزة، أن «المهمة التي أتى بها هوكشتين، قد لا تكون مفيدة لا الآن ولا مستقبلاً، ما إذا أصرّ الأميركيون على دعم تل أبيب حتى النهاية في هذا المشروع، فهذا من شأنه أن يجعل الورقة الدبلوماسية شبه مستحيلة».
وبشأن الموقف الرسمي اللبناني، كان واضحاً في بيان مجلس الوزراء الذي انعقد أمس وقال فيه الرئيس نجيب ميقاتي إنه «اذا كانَ المطلوب تحقيق الاستقرار في الجنوب والمنطقة الحدودية، إذاً فلتُطبّق كل القرارات الدولية، بدءاً باتفاق الهدنة الصادر عام 1949، وكل النقاط الواردة فيه من دون أي تغيير، وعندها يمكن الانتقال إلى الحديث عن ترتيبات الاستقرار في الجنوب». وأعلن ميقاتي أنه «قد أبلغنا جميع الموفدين بأن الحديث عن تهدئة في لبنان فقط أمر غير منطقي، وانطلاقاً من عروبتنا ومبادئنا، نطالب بأن يصار في أسرع وقت ممكن إلى وقف إطلاق النار في غزة، بالتوازي مع وقف إطلاق نار جدي في لبنان. نحن لا نقبل بأن يكون إخوة لنا يتعرضون للإبادة الجماعية والتدمير، ونحن نبحث فقط عن اتفاق خاص مع أحد».
Comments
Post a Comment