من بساتين ليمون صيدا وزهرها مسرح طفولته الأولى ... بدأ غسان صبحي سليم حمود رحلته مع الحياة ..
تلميذاً على مقاعد المدرسة الانجيلية والتي كانت تسمى آنذاك" جيرار آنستيتيود ". . ثم طالباً على مقاعد المقاصد الاسلامية .. ليعود بعدها من جديد الى الانجيلية التي تخرج منها في العام أربعة وخمسين ..
طبعت شخصيته منذ نشأته الأولى بقيم وأخلاق العائلة الصيداوية الأصيلة التي جسدها الوالدان وتربى عليها الأبناء .. لترافقهم في علاقاتهم الإنسانية وتطبع مواقفهم وتصرفاتهم عند كل منعطف مصيري يواجهونه ..
لم تكن طريقه منذ البداية معبدة أمام طموحاته الكبيرة .. لكن اصرار الأب التواق لتوفير العلم الأفضل لأبنائه رغم ظروف العائلة المادية الصعبة ، فتحت أمامه الأفق الرحب نحو المستقبل ..
المحطة التالية كانت الجامعة الأميركية في بيروت .. التي شكلت نقطة التحول الأبرز في حياته حيث مكنه تفوقه وتميزه في مجال اختصاصه من نيل منحة للتخصص في الخارج وكانت الوجهة المانيا ..
عاش غسان حمود الطالب الجامعي في تلك الحقبة هموم وقضايا امته من باب القضية الفلسطينية التي تأثر بها كثيرا كما غيره من ابناء جيله آنذاك بعدما تفتح وعيه عليها وشهد مع ابناء مدينته اولى تداعيات النكبة مع طلائع اللاجئين الفلسطينيين الذين وصلوا الى صيدا .
وبقي بعد تخصصه ومزاولته لمهنة الطب وفياً لهذه القضية بلملمة جراح آلام الشعب الفلسطيني بعد كل اعتداء اسرائيلي عليه كما وفائه لأهله وابناء وطنه بعد كل اجتياح أو عدوان ..
كما الحلم الذي تحوله الإرادة والطموح الى حقيقة ملموسة ، بدأ حلم غسان حمود الصغير من غرفتين ملحقتين بمنزله العائلي .. كانت تلك مستشفاه الأولى وحجر الأساس لأكبر صرح استشفائي جامعي سيبصر النور فيما بعد ..
في ذلك الوقت اكتشف الطبيب العائد بعلوم وخبرات الغرب جوهر رسالة الطب، الآ وهي التخفيف من ألام واوجاع الفقراء رغم الإمكانيات المتواضعة التي توافرت له آنذاك ، لم يكن لعشقه لهذه المهنة الرسالة اي حدود .. يستقبل المرضى في مستشفاه الصغيرة.. ويلبي نداء الواجب في القرى النائية جنوباً وشرقا وجبلاً..
وتمضي السنوات .. ويكبر حلم غسان حمود وتكبر معه مستشفاه .. وتواكب كل جديد في عالم الطب والجراحة ... وكل مرحلة من هذا التطور كانت بحد ذاتها تأريخا لحقبة واحداث مر بها الوطن ...
عانى الدكتور غسان حمود كثيرا من مضايقات الإحتلال الاسرائيلي منذ اجتياح العام اثنان وثمانون .. وكثيرا ما كان الحظر الاسرائيلي على دخول الدواء والعلاجات الى صيدا بمثابة تحد له استطاع ان يواجهه بثبات وصبر وارادة عالية .. ولو اضطره الأمر لتحمل مشاق الإنتقال المضني عبر المعابر التي استحدثها الاحتلال ..
ولطالما كانت مستشفاه ابان الاجتياحات والاعتداءات الاسرائيلية ملاذاً ليس فقط للجرحى والمرضى يجدون فيه طلاسم العلاج الشفاء، بل ملاذاً ايضاً للنازحين من نار القصف والغارات ..
لكن عشقا آخر كان ينافس الطب على قلب غسان حمود .. عشق قديم متجدد دائما للأرض والطبيعة ..
محباً لكل الناس ، ربطته منذ الصغر صداقة وطيدة بالرئيس الشهيد رفيق الحريري وبعائلته استمرت حتى استشهاده. وكان الدكتور حمود في المراحل الأولى من عمل "مؤسسة الحريري "عضواً في مجلس أمنائها.
غسان حمود .. الطبيب الإنسان .. كلمتان تختصران قصة نجاح ، بيضاء ناصعة كما رسالته النقية نقاء قلبه ...
Comments
Post a Comment