(نبذة عن جريمة الافتراء)
إن حق اللجوء إلى القضاء هو حق مقدّس، وذلك لإثبات الحق و إحقاق العدالة. إلا أن هذا الحق مقيد بحسن إستعماله و بحسن النية في مختلف القضايا.
إنّ المادة /٤٠٣/ من قانون العقوبات اللبناني نصّت على أنه:
من قدم شكاية او اخبارا الى السلطة القضائية او الى سلطة يجب عليها ابلاغ السلطة القضائية فعزا الى احد الناس جنحة او مخالفة يعرف براءته منها او اختلق عليه ادلة مادية على وقوع مثل هذا الجرم عوقب بالحبس من شهر الى ثلاث سنوات , واذا كان الفعل يؤلف جناية عوقب المفتري بالاشغال الشاقة المؤقتة حتى عشرة سنوات ، واذا افضى الافتراء الى حكم بالاعدام او بعقوبة مؤبدة فلا تنقص عقوبة الاشغال الشاقة عن عشر سنوات ويمكن ان تصل الى خمس عشرة سنة.
أمّا إذا تراجع الشاكي عن الشكوى قبل الملاحقة يمكن تخفيض العقوبة سنداً للمادة ٢٥١ عقوبات.
لإنعقاد جريمة الإفتراء لا بد من توفّر شرطان:
١- الركن المادي: وهو التقدم بشكاية تتضمن واقعة جرمية معاقب عليها أو بلاغ او اخبار بهذه الواقعة الى سلطة قضائيّة وصدور قرار عن السلطة القضائيّة بمعنى تكذيب الشكوى.
ويدخل في هذا السياق قرار حفظ الشكوى الصّادر عن النيابة العامة، والّذي يعتبر من القرارات التي تمكّن المتضرّر من قيام دعوى الإفتراء على أساسها، وذلك إنسجاماً مع العدالة وبالإستناد إلى المادّة /٤٠٣/ عقوبات والّتى لم تحصر إقامة شكوى الإفتراء بصدور قرار البراءة أو منع المحاكمة أو إبطال التعقبّات، إنما اكتفت بالقول: من قدّم شكاية أو إخباراً…
ويجب تحديد هوية الشخص المفترى عليه بشكل كافٍ. لكنه ليس من الضروري تسمية المشكو منه وبيان كامل هويته ومكان سكنه وعمله، بل تكفي الاشارة اليه ولو على سبيل الاشارة أو الغمز أو التلميح بشكل يسمح بتحديده ومعرفته من دون التباس أو غموض. فإذا تقدم المفتري بشكواه أمام النيابة العامة ضد مجهول وكل من يظهره التحقيق لكن مضمون الشكوى كان يفيد بصورة غير مباشرة أن المفترى عليه هو الشخص المقصود بالشكوى، كان عنصر تعيين الشخص متوافراً في جريمة الإفتراء. ويمكن ان يكون المفترى عليه شخصاً طبيعياً أو شخصاً معنوياً، كشركة أو حزب أو هيئة أو جمعية...
ويجب أن تعلن السلطة القضائية المختصة عدم صحة الواقعة الجرمية للافساح في المجال أمام المفترى عليه للتقدم بدعوى الإفتراء. ويبقى للمحكمة الواضعة يدها على دعوى الإفتراء، في ضوء حقها المطلق في تقدير الوقائع والأدلة عليها أن تتصدى لمسألة صحة الواقعة ذاتها تأكيداً أو نفياً لحصولها، وما إذا كانت الأدلة عليها مصطنعة أم لا. أما إذا كانت الواقعة المدلى بها في الشكوى أو الإخبار صحيحة انما لا تتوافر فيها عناصر الجرم المدعى به أو كان النزاع مدنياً، فلا تكون جريمة الإفتراء متحققة لعدم توافر احد عناصرها، كأن يصدر الحكم بكف التعقبات لعدم توافر عناصر جرم الاحتيال ولأن الوقائع المدلى بها تشكل خلافاً مدنياً.
ويجب أن يكون القرار القاضي بإعلان براءة المفترى عليه نهائياً ومبرماً غير قابل لأي طريقة من طرق الطعن، وأن يكون حاسماً لجهة انتفاء الادلة بصورة مطلقة، إذ أن البراءة للشك أو إبطال التعقبات لعدم كفاية الادلة أو لعدم توافر العناصر الجرمية أو لأن النزاع مدني، لا تكفي لقيام جريمة الإفتراء.
٢- الركن المعنوي : وهو يتجلّى بسوء نيّة الشّاكي، اي عندما يتقدم بشكواه مع علمه بأن الوقائع الّتي كان قد بلّغ عنها غير صحيحة، أو أنّ الشخص الموجّه ضدّه الإدعاء هو بريء ممّا نُصب إليه. اذن يجب توافر القصد الجنائي الخاص بسوء نية الفاعل من خلال قصد إلحاق الضرر بالمفترى عليه وتعريضه لإمكان الملاحقة الجزائية، مع ما يترتب عليها من نتائج قانونية واجتماعية خطيرة وجسيمة. فيجب لتحقق جرم الإفتراء إثبات أن الشاكي كان على علم ببراءة المشكو منه عند تقديم شكواه، وأنه تقدم بها عن سوء نية بقصد الاضرار بالمشكو منه.
ويعود تقدير توافر سوء النية أو عدمه لقضاة الاساس . ولا يكفي لتحقق سوء النية في جرم الإفتراء أن تكون النيابة العامة قد قررت حفظ الشكوى لعدم توافر الأدلة، بل يجب توافر النية الجرمية من خلال إثبات أن المفتري قد اختلق ادلة مادية أو قدّم شكواه وهو عالم ببراءة المفترى عليه مما نسبه اليه. فإذا تبين للمحكمة أن الواقعة المدلى بها في الشكوى أو الإخبار قائمة وصحيحة على الرغم من عدم توافر عناصر الجرم المدعى به، وان المدعى عليه لم يكن سيء النية في شكواه، لا يكون القصد الجرمي لجريمة الإفتراء متحققاً. كما لا يتحقق جرم الإفتراء إذا تبين للمحكمة ان المدعى عليه لم يختلق واقعة يعرف أنها غير صحيحة ولم ينسب إلى المدعي جرماً يعرف براءته منه لأنه استند في شكواه إلى أخبار وصلت اليه بالتواتر ثم عاد وأسقط شكواه عندما عرف بعدم صحة تلك الأخبار.
في حال توافر الرّكنين السّابقين ، يتحقق جرم الافتراء ويتم إنزال العقوبات بفاعل الجريمة والمنصوص عليها اعلاه في المادّة /٤٠٣/ عقوبات، بالإضافة إلى تدريكه الإلزامات المدنيّة على سبيل العطل والضّرر لصالح المتضرّر.
Comments
Post a Comment